الاستغفار
معنى الاستغفار
في اللغة يأتي الاستغفار بمعنى الطّلب، أي طلب العبد المغفرة من ربّه عز وجل، سواء كان ذلك بالطّلب عن طريق القول، أو عن طريق الفعل، والمغفرة في لغة العرب هي السّتر.
والاستغفار عند الفقهاء: هو توجّه العبد إلى الله -تعالى- قاصداً إيّاه ليغفر له ذنوبه ويتجاوز عن سيّئاته.
صيغ الاستغفار في القرآن الكريم
*{{رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي}}.
*{{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}}.
*{{سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}}.
*{{رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ}}.
أوقات الاستغفار
أفضل وقت للاستغفار وقت "الأسحار"، وقد خص الله سبحانه وتعالى المستغفرين بذلك الوقت وذكرهم في القرآن الكريم، فقال عز وجل: "{{الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ"}}.
فالأسحار من أفضل الأوقات التي يُستجاب فيها الدعاء، لذلك يُنصح المؤمن دائماً بالدعاء لربه والاستغفار عما فعل في ذلك الوقت أكثر من غيره. كما أن الاستغفار يصح في جميع الأوقات وفي كافة الساعات خلال اليوم.
فهو الوقت الذي يبدأ من الثلث الأخير من الليل إلى قبيل طلوع الفجر، ووقت السحر لا يبقى كما هو طوال السنة، بل يختلف باختلاف الفصول وطول الليل والنهار، وبما أنه تم تقسيمهما إلى اثنتي عشر ساعة بالتساوي، فهذا يدلّ على أن ساعات السحر في الشتاء أطول من ساعات السحر في الصيف.
هذا الوقت الذي قال الرسول صلّى الله عليه وسّلم أنّ الله عزّ وجلّ ينزل فيه للأرض، ويستجيب دعوات الداعيين ويغفر للمستغفرين.
فيُمكن الاستغفار بعد الصلاة وبعد الحج وقبل الخلود للنوم وعند الاستيقاظ من النوم، فهو منفعة للمؤمن.
الفرق بين الاستغفار والتوبة
*يُمكن أن يكون العبد المستغفر ما زال مصرّاً على فعله، فلا يشترط في الاستغفار الإقلاع عن الذنب، أمّا التوبة فلا يُمكن فيها إلّا الإقلاع عن الذنب وعدم العودة إليه؛ لتُقبل من العبد.
*لا يشترط في الاستغفار القبول، أمّا التوبة فتُقبل من العبد إن توافرت فيها الشروط المطلوبة.
*يمكن أن يؤدّي العبد الاستغفار عن ذاته، ويمكن عمّن شاء من المسلمين أجمعين وينال بذلك الأجر والثواب، أمّا التوبة فلا يُمكن أن يؤدّيها العبد إلّا عن نفسه، كما أنّ الملائكة تستغفر للمؤمنين، في حين أنّها لا تتوب عن أحدٍ منهم.
*تجوز التوبة في كلّ الأوقات، إلّا أّن لها وقتاً محدّداً تنتهي بانتهائه؛ وهو إن احتضر العبد للموت وإن طلعت الشمس من جهة الغرب، وفي المقابل الاستغفار يُشرع في كلّ الأوقات، وله أوقات مقيدة؛ كأدائه في الجلوس بين السجدتين، وبعد التسليم من الصلاة، وغيرها من المواضع.
*تُؤدّى التّوبة نتيجة ارتكاب الذنوب والمعاصي، أمّا الاستغفار فلا يشترط فيه ارتكاب المعاصي، بل يمكن أن يكون سبباً في الرغبة بالاستزادة من الأجر والثواب.
*تؤدّى التوبة من المؤمن والكافر، في حين أنّ الاستغفار لا يُمكن أن يؤدّى إلّا من المؤمن.
ثمار الاستغفار
*الاستغفار يُنقِّي القلبَ ويُطهِّره
إن الاستغفارَ يُنقِّي القلب مِن ظُلُمات المعاصي والذنوب؛ قال العلماء: إن الذنوب تُسوِّد القلب، ولا يزال العبد كلما أذنب ذنبًا زادت الظُّلمة وعظم السواد في قلبه، فأما إذا بادر بعد الذنب بالتوبة والاستغفار، نقي قلبه وهذب ونظف. عن قتادة رحمه الله قال: إن القرآن يدلُّكم على دائكم ودوائكم، أما داؤكم، فذنوبكم، وأما دواؤكم، في الاستغفار.
*وعد الله مَن استغفره أن يغفر له سبحانه وتعالى
قال الله تعالى: {{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}} [طه: 82].
وقال سبحانه: {{وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}} [النساء: 110]، وقال سبحانه: {{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}} [النساء: 64].
*مَن لزم الاستغفار سرَّته صحيفتُه يوم القيامة
هنيئًا لِمَن داوم على الاستغفار، فجاء يوم القيامة قد ذهبت سيئاتُه هباءً، وتضاعَفَتْ حسناتُه وعظُمَت، فعن عبدِالله بن بُسْر رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((«طُوبَى لِمَن وَجَد في صحيفته استغفارًا كثيرًا»))؛ أخرجه ابن ماجه بسند حسن.
*الاستغفار سبب للنجاة مِن عذاب النار
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((«يا معشرَ النساءِ، تصدَّقْنَ وأكثِرْنَ الاستغفار، فإني رأيتُكن أكثرَ أهل النار»)).
وعن أبي العالية قال: (("إني لأرجو ألَّا يَهلِك عبدٌ بين نعمتينِ؛ نعمة يحمَدُ الله عليها، وذنب يستغفِرُ اللهُ منه")).
*الاستغفار سببٌ لرحمة الله تعالى في الدنيا والآخرة
قال صالح عليه السلام لقومِه: {{يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}} [النمل: 46]؛ فكثرة الاستغفار والتوبةُ مِن أسباب تنزُّل الرحمات الإلهية، والألطافِ الربانية، والفلاح في الدنيا والآخرة.
*الاستغفار سبب لدخول الجنة
قال الله سبحانه: {{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}} [آل عمران: 135، 136]، فالصالحون يخطئون، لكنهم يبادرون بالاستغفار والتوبة، فأعقَبَهم الله بكثرة استغفارهم جنات النعيم.
الاستغفار سبب لرفعة الدرجات
فانظر كيف يرفع الاستغفارُ العبدَ المؤمن بعد موته؟ فإن كان أحدُ والديك قد تُوفِّي، فاستغفِرْ له كثيرًا، فإن هذا مِن أعظم ما ينفعه في قبره. ولهذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يأمُرُ أصحابه أن يستغفِرُوا للميت.
*الاستغفار سببٌ لسَعَة الرزق، ونزول المطر، وكثرة المال
قال الله تعالى: {{وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ}} [هود: 3].
وقال نوح عليه السلام: {{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}} [نوح: 10 - 12].
*الاستغفار سبب لكثرة الولد
قال نوحٌ عليه السلام: {{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}} [نوح: 10 - 12].
فالاستغفار سببٌ لنزول الغيث المِدْرَار، وحصولِ البركة في الأرزاق والثمار، وكثرة النسل والنَّماء، وكثرة النِّعَم.
وذكر القرطبي رحمه الله في تفسيرِه عن ابن صُبَيح قال: شكا رجلٌ إلى الحسن الجُدُوبةَ، فقال له: استغفِرِ الله، وشكا آخر إليه الفقر، فقال له: استغفِرِ الله، وقال له آخر: ادعُ الله أن يرزقني ولدًا، فقال له: استغفِرِ الله، وشكا إليه آخر جفافَ بستانه، فقال له: استغفِرِ الله، قال: فقلنا له في ذلك؟ فقال: ما قلتُ مِن عندي شيئًا، إن الله تعالى يقول: {{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ}} [نوح: 10 - 12].
*الاستغفار سبب للقوة
قال هودٌ عليه السلام لقومه: {{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ}} [هود: 52].
ففي الاستغفار قوةُ الجسم، وصحةُ البدن، والسلامةُ مِن العاهات والآفات، والشفاءُ من الأمراض والأوصاب.
*الاستغفار سببٌ لتفريج الهموم والكُرُبات
عن ابن عباسٍ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((«مَن لزِم الاستغفارَ جعَل اللهُ له مِن كلِّ ضيقٍ مخرجًا، ومِن كل همٍّ فرجًا، ورزقه مِن حيث لا يحتسب»))، فكم مِن رجلٍ لزِم الاستغفارَ ففرَّج اللهُ همَّه، وأزال كربَه، وأبدل أحزانَه أفراحًا، وضِيقَه سَعَةً، وعسرَه يُسرًا، وفقرَه غِنًى، وأقبلَتْ عليه المَسرَّات.
*الاستغفار سبب لدفع العذاب في الدنيا
قال الله تعالى: {{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}} [الأنفال: 33].
*الاستغفار سبب للنصر على الأعداء
قال الله تعالى: {{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}} [آل عمران: 146 - 148].
الاستغفار للأموات :
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت، وقف عليه فقال : (("استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل")) رواه أبو داوود.
فما أحوج الميت في هذا الموقف العصيب إلى الاستغفار ، وطلب المغفرة من الله عز وجل له؛ ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر للأموات إذا زارهم ووقف على قبورهم .
إرسال تعليق
مرحباً بكم، يسعدنا تواجدكم
إذا كان لديكم استفسارات، فنحن دائما نسعى إلى مدكم بالمعلومة كاملة.
وسوف يتم الرد على كل أسئلتكم.